القائمة

وصفةٌ توافقيّة لحلّ مشكلة التضخّم النقدي بتوقيع المصرف المركزي وقطاع الأعمال.. الإنتاج والاستثمار والمرونة

تشرين:
يجمع الخبراء والعارفون بالشأن النقدي والاقتصادي على أن معالجة التضخّم ليست مهمة معقّدة، إن كانت ثمة إدارة سليمة للموارد وسياسات نقدية محوكمة وفق أسس تأخذ في الحسبان خصوصية الظروف، لما كان لكل بلد اعتباراته في القياس والتشخيص ومن ثم العلاج..فما الحلّ الأنسب لمشكلة التضخّم في سورية ،هذه المشكلة التي لا تزال ممسوكة وفق القراءات المتأنية بعيداً عن ضجيج وسائل التواصل واجتهادات المنظّرين.
يشير منهل جانم – مدير الدراسات في مصرف سورية المركزي إلى أن الحفاظ على التضخم عند مستويات مقبولة هو هدف أيّ سياسة نقدية، وفي العرف العالمي أرقام التضخم لدينا في سورية هي في حالة سيئة، لكنها مقبولة في العرف المحلي.
وأضاف في تصريح لـ « تشرين»: نحن اليوم أمام مستويات مقبولة على نحوٍ يدعم النمو والتشغيل؛ فكمية النقد المصدر هي محدد متكامل، وكل زيادة في النقد المصدر تساوي زيادة في التضخم، وهناك ترابط شبه تام بين الرقم القياسي لأسعار المستهلك وكمية النقد المصدر، والحكومة تحاول عقلنة عملية الزيادة في النقد من خلال تأمين المصادر الأخرى.
زيادة الإنتاج
وعدّ جانم أن التضخم لم تسببه فقط العوامل الداخلية بل هناك عوامل خارجية ليست خافية على أحد من حصار وعقوبات طالت حتى الأدوية، وعليه، فإن السعر العالمي ليس مقياساً لتكاليف الاستيراد.
لافتاً إلى أن الحلول العلاجية لمشكلة التضخم تبدأ بزيادة الإنتاج المحلي وتحريك العجلة الاقتصادية، وهما الضامن الأساس لزيادة الرواتب والأجور وتحسين الواقع المعيشي للمواطن، فلا يمكن زيادة الرواتب والأجور من دون التوجه إلى زيادة الإنتاج لأن ذلك يأخذنا إلى التضخم الجامح، وزيادة الإنتاج تكون من خلال دعم الاستثمار والمشروعات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، وهناك جهود حكومية لتأمين مستلزمات الإنتاج وخاصة المتعلقة منها بالطاقة.
والأولوية -حسب جانم- في الدعم يجب أن تكون لمصلحة الإنتاج الزراعي لكون الاقتصاد السوري قائماً على الزراعة بالدرجة الأولى إلى جانب دعم الصناعات الأساسية لإحلال بدائل المستوردات، فكلما انخفضت تكلفة الاستيراد انخفض الاعتماد على القطع الأجنبي وزاد الاعتماد على الناتج المحلي الداخلي، وعليه يتم تصحيح ميزان المدفوعات، ويزداد الإنتاج وتدور العجلة الاقتصادية ونحدّ من التضخم.
مشيراً إلى أن إصدار وزارة المالية سندات الخزينة الحكومية لتمويل عجز الموازنة إجراء مالي صحيح ١٠٠%؛ فمحفز التضخم هو التمويل بالعجز، وكلما كان في إصدار النقد تمويل للعجز، تم ضخ كتلة نقدية وتالياً زيادة العرض النقدي، لافتاً إلى ضرورة تطوير شهادات الإيداع وطرحها للأفراد بدلاً من اقتصارها على المصارف؛ فبدلاً من رهن البيت مثلاً يتم رهن شهادات الإيداع للحصول على قرض، وتلك الشهادات خاضعة للحسم والتسوية وتسديد الدين والرهن إلى جانب تسهيلات ائتمانية ومحفزات اقتصادية حيث لا تكون المعالجة الاقتصادية قائمة على عامل واحد بل على العوامل جميعها على نحوٍ متكامل، ولا بدّ من تكاتف الدولة مع القطاع الخاص في إطار التشاركية ضمن التوجهات الحكومية لدعم الإنتاج.
مرونة التشريعات
من جانبه رأى رجل الأعمال وسيم القطان أمين سرّ غرفة تجارة دمشق في تصريحه لـ « تشرين»، أن دعم الإنتاج الزراعي الذي هو مقوم أساس في إعادة إنعاش التنمية وتحقيق الكفاية كما العائدات للبلاد، يكمن في تأمين مستلزماته إلى جانب أولوية الدعم لرأس المال الوطني الذي يمتلك مشروعاً إنتاجياً على أرض الواقع، مضيفاً أن دعم المواطن والمستثمر يكون في عدالة مكافحة التهريب فلا يسمح بمناطق، ويمنع في أخرى، كما أن دفع الضرائب واجب، وعليه يجب أن تكون المحاسبة يومية وعن الوقت الحاضر، فلا يحاسب التاجر على أخطاء رقابية سابقة ومتراكمة سنوات!
وتساءل قطان: ما المانع من أتمتة العمليات المصرفية والرسوم والتأمينات الاجتماعية وتكوين قاعدة بيانات دقيقة يتم من خلالها إلغاء الدعم بمفهومه التقليدي الحالي والاستعاضة عنه بحسابات مصرفية بديلة يتم تزويدها بمبالغ دعم نقدية يستطيع المواطن من خلالها شراء ما يريد وفق بيانات وشروط وآلية واضحة لا مجال للتجاوزات فيها؟.
وأكد قطان ضرورة أن يتم دعم المشروعات الوطنية لرجال الأعمال مقابل تحمل أصحابها تكاليف الدعم من الأرباح؛ فالملاذ الآمن يكون بتشجيع وتمييز المشروعات الإنتاجية المواكبة للحاجة المحلية، إلى جانب خصخصة القطاعات بمشروعات عجزت الحكومة عن ضبطها مقابل أن تأخذ أرباحها كاملةً.
 
لافتاً إلى ضرورة عدم التعصب للقوانين وإمكانية التراجع عنها وتغييرها وتعديلها وفقاً للضرورة ومواكبة الزمن وتغير الظروف التي تستلزم تغيير طريقة العمل؛ فالتشاركية مع الدولة لا تكون فقط بتنفيذ القرارات والقوانين التي تتخذ، بل في وضعها وإصدارها أيضاً، ولا يكفي إصدار قرارات اقتصادية بل يجب توجيه تنفيذها على أرض الواقع ، فالمشكلة ليست في وجود قوانين بل في آلية تنفيذها.
شركات لصغار المساهمين
أما الدكتور ياسر كريّم- مسؤول الإعلام في غرفة تجارة دمشق فقد أكد لـ « تشرين» في سياق رؤيته لحل مشكلة التضخّم، أن من أسباب التضخم نوعين.. فعلية ووهمية؛ الأولى تكمن في انخفاض دخل المواطن مقابل ارتفاع الأسعار، والثانية تتمثل في تداعيات ارتفاع الأسعار العالمي وغيرها، لذلك فالخروج من التضخم يكون بإزالة أسبابه الوهمية والفعلية، وتالياً يجب التشاركية والتشابكية مع القطاع الخاص في مرحلة وضع وإصدار القوانين الصحيحة، ليس فقط في مرحلة تنفيذها، ولا بدّ من الانطلاق من مبدأ «الصفر الافتراضي» وقياس معدل التضخم بدءاً من مرحلة «بدء العمل»، وألّا نبقى في الماضي، إضافة إلى أن إعادة عجلة الإنتاج تكون في دعم المشروعات التجارية والصناعية والسياحية والزراعية والخدمات العلمية وفق برامج عمل صحيحة ومحددة.
وحسب كريّم، فإن عقوبة الحبس للمستثمر المخالف والمالك مشروعاً إنتاجياً عقوبة غير مجدية من شأنها إيقاف الإنتاج وتوقف المشروع ، ويجب الاستعاضة عنها بفرض غرامات رادعة، تضمن استمرارية العملية الإنتاجية، لأن هذا غير موجود في أي دولة في العالم.
وكذلك، يجب تشجيع صغار الملاك وذوي الدخل المحدود بشركات مساهمة معفاة من الضرائب، وعليه تنتقل الثوابت لديهم من اقتناء الذهب والعقارات إلى المشاركة في الحركة الإنتاجية والاقتصادية.
وشدد كريم على أن نجاح الصناعي والتاجر في الداخل أفضل طريقة لجذب رأس المال والمستثمر الخارجي وذلك يتحقق بدعم الاقتصاديين والمشروعات المحلية.
وأضاف كريّم ضمن مقترحاته أنه كما يوجد جريح الوطن وابن الشهيد، هناك جريح وطن اقتصادي تعثّرت مشروعاته بسبب الحرب ويحتاج الدعم.
من خلال ماسبق، نرى أن ثمة إجماعاً على تسريع عجلة الإنتاج وتحفيز الاستثمار ثم إضفاء مرونة كافية على التشريعات، والتعاطي السلس بين الحكومة وقطاع الأعمال.. هذه هي الوصفة الناجعة والتوافقية لتعزيز موقف الاقتصاد و تالياً الموقف النقدي..ولا نظن أنها شروط صعبة لإعادة الإنعاش السريع للاقتصاد والليرة.

 

أسئلة متكررة

مواقع مرتبطة

مواقع مفيدة

تواصل معنا

خريطة الموقع